فصل: المسألة الرابعة: اسمه تعالى الحي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الرابعة: اسمه تعالى الحي:

لفظ الحي وارد في القرآن، قال الله تعالى: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحى القيوم} [البقرة: 255] وقال: {وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَي القيوم} [طه: 111] وقال: {هُوَ الحي لاَ إله إِلاَّ هُوَ فادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [غافر: 65] فإن قيل: الحي معناه الدراك الفعال أو الذي لا يمتنع أن يعلم ويقدر، وهذا القدر ليس فيه مدح عظيم، فما السبب في أن ذكره الله تعالى في معرض المدح العظيم؟ فالجواب إن التمدح لم يحصل بمجرد كونه حيًا، بل بمجموع كونه حيًا قيومًا.
وذلك لأن القيوم هو القائم بإصلاح حال كل ما سواه، وذلك لا يتم إلا بالعلم التام والقدرة التامة، والحي هو الدراك الفعال، فقوله: الحي يعني كونه دراكًا فعالًا، وقوله: القيوم يعني كونه دراكًا لجميع الممكنات فعالًا لجميع المحدثات والممكنات، فحصل المدح من هذا الوجه.

.الباب الخامس في الأسماء الدالة على الصفات الإضافية:

الاسم الدال على الصفات الإضافية:
اعلم أن الكلام في هذا الباب يجب أن يكون مسبوقًا بمقدمة عقلية، وهي أن التكوين هل هو نفس المكون أم لا؟ قالت المعتزلة والأشعرية: التكوين نفس المكون، وقال آخرون إنه غيره، واحتج النفاة بوجوده:
الحجة الأولى: أن الصفة المسماة بالتكوين إما أن تؤثر على سبيل الصحة أو على سبيل الوجوب، فإن كان الأول فتلك الصفة هي القدرة لا غير، وإن كان الثاني لزم كونه تعالى موجبًا بالذات لا فاعلًا بالاختيار.
الحجة الثانية: أن تلك الصفة المسماة بالتكوين إن كانت قديمة لزم من قدمها قدم الآثار وإن كانت محدثة افتقر تكوينها، إلى تكوين آخر ولزم التسلسل.
الحجة الثالثة: أن الصفة المسماة بالقدرة إما أن يكون لها صلاحية التأثير عند حصول سائر الشرائط من العلم والإرادة أو ليس لها هذه الصلاحية، فإن كان الأول فحينئذٍ تكون القدرة كافية في خروج الأثر من العدم إلى الوجود، وعلى هذا التقدير فلا حجة إلى إثبات صفة أخرى، وإن كان الثاني فحينئذٍ القدرة لا تكون لها صلاحية التأثير، فوجب أن لا تكون القدرة قدرة، وذلك يوجب التناقض.
واحتج مثبتو قدم الصفة بأن القادر على الفعل قد يوجده وقد لا يوجده، ألا ترى أن الله تعالى قادر على خلق ألف شمس وقمر على هذه السماء إلا أنه ما أوجده، وصحة هذا النفي والإثبات يدل على أن المعقول من كونه موجدًا مغاير للمعقول من كونه قادرًا، ثم نقول: كونه موجدًا إما أن يكون معناه دخول الأثر في الوجود أو يكون أمرًا زائدًا، والأول باطل لأنا نعلل دخول هذا الأثر في الوجود بكون الفاعل موجدًا له، ألا ترى أنه إذا قيل: لم وجد العالم؟ قلنا: لأجل أن الله أوجده، فلو كان كون الموجد موجدًا له معناه نفس هذا الأثر لكان تعليل وجود الأثر بالموجدية يقتضي تعليل وجوده نفسه، ولو كان معللًا بنفسه لامتنع إسناده إلى الغير، فثبت أن تعليل الموجدية بوجود الأثر يقتضي نفي الموجدية، وما أفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلًا، فثبت أن تعليل الموجدية بوجود الأثر كلام باطل، فوجب أن يكون كون الموجد موجدًا أمرًا مغايرًا لكون الفاعل قادرًا لوجود الأثر، فثبت أن التكوين غير المكون.
إذا عرفت هذا الأصل فنقول: القائلون بأن التكوين نفس المكون قالوا: معنى كونه تعالى خالقًا رازقًا محييًا مميتًا ضارًا نافعًا عبارة عن نسبة مخصوصة وإضافة مخصوصة، وهي تأثير قدرة الله تعالى في حصول هذه الأشياء.
وأما القائلون بأن التكوين غير المكون، فقالوا معنى كونه خالقًا رازقًا ليس عبارة عن الصفة الإضافية فقط، بل هو عبارة عن صفة حقيقية موصوفة بصفة إضافية.
اعلم أن الصفات الإضافية على أقسام: أحدها: كونه معلومًا مذكورًا مسبحًا ممجدًا، فيقال: يا أيها المسبح بكل لسان، يا أيها الممدوح عند كل إنسان، يا أيها المرجوع إليه في كل حين وأوان، ولما كان هذا النوع من الإضافات غير متناهٍ كانت الأسماء الممكنة لله بحسب هذا النوع من الصفات غير متناهية.
وثانيها: كونه تعالى فاعلًا للأفعال صفة إضافية محضة بناءً على أن تكوين الأشياء ليس بصفة زائدة، إذا عرفت هذا فالمخبر عنه إما أن يكون مجرد كونه موجدًا، أو المخبر عنه كونه موجدًا للنوع الفلاني لأجل الحكمة الفلانية، أما القسم الأول وهو اللفظ الدال على مجرد كونه موجدًا فهاهنا ألفاظ تقرب من أن تكون مترادفة مثل: الموجد، والمحدث، والمكون، والمنشئ، والمبدع، والمخترع، والصانع، والخالق، والفاطر، والبارئ، فهذه ألفاظ عشرة متقاربة، ومع ذلك فالفرق حاصل: أما الاسم الأول وهو الموجد فمعناه المؤثر في الوجود، وأما المحدث فمعناه الذي جعله موجودًا بعد أن كان معدومًا، وهذا أخص من مطلق الإيجاد، وأما المكون فيقرب من أن يكون مرادفًا للموجد، وأما المنشئ فاشتقاقه من النشوء والنماء، وهو الذي يكون قليلًا قليلًا على التدريج، وأما المبدع فهو الذي يكون دفعة واحدة، وهما كنوعين تحت جنس الموجد.
والمخترع قريب من المبدع، وأما الصانع فيقرب أن يكون اسمًا لمن يأتي بالفعل على سبيل التكلف، وأما الخالق فهو عبارة عن التقدير، وهو في حق الله تعالى يرجع إلى العلم، وأما الفاطر فاشتقاقه من الفطر وهو الشق، ويشبه أن يكون معناه هو الأحداث دفعة، وأما البارئ فهو الذي يحدثه على الوجه الموافق للمصلحة، يقال: برى القلم إذا أصلحه وجعله موافقًا لغرض معين، فهذا بيان هذه الألفاظ الدالة على كونه موجدًا على سبيل العموم، أما الألفاظ الدالة على إيجاد شيء بعينه فتكاد أن تكون غير متناهية، ويجب أن نذكر في هذا الباب أمثلة فالمثال الأول: أنه إذا خلق النافع سمي نافعًا، وإذا خلق المؤلم سمي ضارًا، والمثال الثاني: إذا خلق الحياة سمي محييًا، وإذا خلق الموت سمي مميتًا، والمثال الثالث: إذا خصهم بالإكرام سمي برًا لطيفًا، وإذا خصهم بالقهر سمي قهارًا جبارًا، والمثال الرابع: إذا قلل العطاء سمي قابضًا، وإذا أكثره سمي باسطًا، والمثال الخامس: إن جارى ذوي الذنوب بالعقاب سمي منتقمًا وإن ترك ذلك الجزاء سمي عفوًا غفورًا رحيمًا رحمانًا، المثال السادس: إن حصل المنع والإعطاء في الأموال سمي قابضًا باسطًا، وإن حصلا في الجاه والحشمة سمي خافضًا رافعًا.
إذا عرفت هذا فنقول: إن أقسام مقدورات الله تعالى بحسب الأنواع والأجناس غير متناهية، فلا جرم يمكن أن يحصل لله تعالى أسماء غير متناهية بحسب هذا الاعتبار.
وإذا عرفت هذا فنقول: هاهنا دقائق لابد منها: فالدقيقة الأولى: أن مقابل الشيء تارة يكون ضده وتارة يكون عدمه، فقولنا: المعز المذل وقولنا: المحيي المميت يتقابلان تقابل الضدين، وأما قولنا: القابض الباسط، الخافض الرافع فيقرب من أن يكون تقابلهما تقابل العدم والوجود، لأن القبض عبارة عن أن لا يعطيه المال الكثير، والخفض عبارة أن لا يعطيه الجاه الكبير، أما الإعزاز والإذلال فهما متضادان؛ لأنه فرق بين أن لا يعزه وبين أن يذله والدقيقة الثانية: أنه قد تكون الألفاظ تقرب من أن تكون مترادفة ولكن التأمل التام يدل على الفرق اللطيف، وله أمثلة: المثال الأول: الرؤف الرحيم، يقرب من هذا الباب إلا أن الرؤف أميل إلى جانب إيصال النفع، والرحيم أميل إلى جانب دفع الضرر، والمثال الثاني: الفاتح، والفتاح، والنافع والنفاع، والواهب والوهاب، فالفاتح يشعر بأحداث سبب الخير، والواهب يشعر بإيصال ذلك الخير إليه، والنافع يشعر بإيصال ذلك النفع إليه بقصد أن ينتفع ذلك الشخص به، وإذا وقفت على هذا القانون المعتبر في هذا الباب أمكنك الوقوف على حقائق هذا النوع من الأسماء.

.الباب السادس: في الأسماء الواقعة بحسب الصفات السلبية:

واعلم أن القرآن مملوء منه، وطريق الضبط فيه أن يقال: ذلك السلب إما أن يكون عائدًا إلى الذات، أو إلى الصفات، أو إلى الأفعال، أما السلوب العائدة إلى الذات فهي قولنا إنه تعالى ليس كذا ولا كذا، كقولنا: إنه ليس جوهرًا ولا جسمًا ولا في المكان ولا في الحيز ولا حالًا ولا محلًا، واعلم أنا قد دللنا على أن ذاته مخالفة لسائر الذوات والصفات لعين ذاته المخصوصة، لكن أنواع الذوات والصفات المغايرة لذاته غير متناهية، فلا جرم يحصل هاهنا سلوب غير متناهية، ومن جملتها قوله تعالى: {والله الغنى وَأَنتُمُ الفقراء} [محمد: 38] وقوله: {وَرَبُّكَ الغنى ذُو الرحمة} [الأنعام: 133] لأن كونه غنيًا أنه لا يحتاج في ذاته ولا في صفاته الحقيقية ولا في صفاته السلبية إلى شيء غيره، ومنه أيضًا قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] وأما السلوب العائدة إلى الصفات فكل صفة تكون من صفات النقائص فإنه يجب تنزيه الله تعالى عنها، فمنها ما يكون من باب أضداد العلم ومنها ما يكون من باب أضداد القدرة، ومنها ما يكون من باب أضداد الاستغناء، ومنها ما يكون من باب أضداد الوحدة: ومنها ما يكون من باب أضداد العلم فأقسام، أحدها: نفي النوم، قال تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَة وَلاَ نَوْم} [البقرة: 255] وثانيها: نفي النسيان، قال تعالى: {وما كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وثالثها: نفي الجهل قال تعالى: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السموات وَلاَ في الأرض} [سبأ: 3] ورابعها: أن علمه ببعض المعلومات لا يمنعه عن العلم بغيره فإنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن، وأما السلوب العائدة إلى صفة القدرة فأقسام: أحدها: أنه منزه في أفعاله عن التعب والنصب قال تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38] وثانيها: أنه لا يحتاج في فعله إلى الآلات والأدوات وتقدم المادة والمدة، قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وثالثها: أنه لا تفاوت في قدرته بين فعل الكثير والقليل، قال تعالى: {وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] ورابعها: نفي انتهاء القدرة وحصول الفقر، قال تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} [آل عمران: 181] وأما السلوب العائدة إلى صفة الاستغناء فكقوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام: 24]: {وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88] وأما السلوب العائدة إلى صفة الوحدة وهو مثل نفي الشركاء والأضداد والأنداد فالقرآن مملوء منه، وأما السلوب العائدة إلى الأفعال وهو أنه لا يفعل كذا وكذا فالقرآن مملوء منه، أحدها: أنه لا يخلق الباطل، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ} [ص: 27] وقال تعالى حكاية عن المؤمنين: {وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السموات والأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا} [آل عمران: 191] وثانيها: أنه لا يخلق اللعب، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ وَمَا خلقناهما إِلاَّ بالحق} [الدخان: 38 39] وثالثها: لا يخلق العبث؛ قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فتعالى الملك الحق} [المؤمنون: 115، 116] ورابعها: أنه لا يرضى بالكفر، قال تعالى: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} [الزمر: 7] وخامسها: أنه لا يريد الظلم، قال تعالى: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لّلْعِبَادِ} [غافر: 31] وسادسها: أنه لا يحب الفساد، قال تعالى: {والله لاَ يُحِبُّ الفساد} [البقرة: 205] وسابعها: أنه لا يعاقب من غير سابقة جرم، قال تعالى: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ} [النساء: 147] وثامنها: أنه لا ينتفع بطاعات المطيعين ولا يتضرر بمعاصي المذنبين، قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] وتاسعها: أنه ليس لأحد عليه اعتراض في أفعاله وأحكامه، قال تعالى: {لاَّ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23] وقال تعالى: {فَعَّال لّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] وعاشرها: أنه لا يخلف وعده ووعيده، قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} [ق: 29].
إذا عرفت هذا الأصل فنقول: أقسام السلوب بحسب الذات وبحسب الصفات وبحسب الأفعال غير متناهية، فيحصل من هذا الجنس أيضًا أقسام غير متناهية من الأسماء، إذا عرفت هذا الأصل فلنذكر بعض الأسماء المناسبة لهذا الباب: فمنها القدوس، والسلام، ويشبه أن يكون القدوس عبارة عن كون حقيقة ذاته مخالفة للماهيات التي هي نقائص في أنفسها، والسلام عبارة عن كون تلك الذات غير موصوفة بشيء من صفات النقص، فالقدوس سلب عائد إلى الذات، والسلام سلب عائد إلى الصفات، وثانيها: العزيز، وهو الذي لا يوجد له نظير، وثالثها: الغفار، وهو الذي يسقط العقاب عن المذنبين، ورابعها: الحليم، وهو الذي لا يعاجل بالعقوبة، ومع ذلك فإنه لا يمتنع من إيصال الرحمة، وخامسها: الواحد، ومعناه أنه لا يشاركه أحد في حقيقته المخصوصة، ولا يشاركه أحد في صفة الإلهية، ولا يشاركه أحد في خلق الأرواح والأجسم، ولا يشاركه أحد في نظم العالم وتدبير أحوال العرش وسادسها: الغني: ومعناه كونه منزهًا عن الحاجات والضرورات، وسابعها: الصبور، والفرق بينه وبين الحليم أن الصبور هو الذي لا يعاقب المسيء مع القدرة عليه، والحليم هو الذي يكون كذلك مع أنه لا يمنعه من إيصال نعمته إليه، وقس عليه البواقي، والله الهادي.